جاء التصعيد الإسرائيلي، أمس الأحد، في قطاع غزة، ليضع اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أُبرم في مدينة شرم الشيخ المصرية بوساطة قطرية وتركية ومصرية وفقاً لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمام أول اختبار حقيقي. ولم يكن التصعيد الإسرائيلي في غزة مقتصراً على غارات محدودة كما كان يحصل قبل حرب الإبادة على غزة، بل استهدف منازل ومدنيين وتجمّعات سكنية أسفرت عن استشهاد 44 فلسطينياً وإصابة العشرات.
وكانت الذريعة الإسرائيلية التي ساقها الاحتلال لتبرير هذا التصعيد مرتبطة بالحدث الأمني في مدينة رفح جنوبي القطاع، الذي لم تتضح معالمه؛ والذي أعلن الاحتلال فيه مقتل ضابط برتبة رائد وجندي آخر بالإضافة إلى صابة ثلاثة آخرين.
وعايش القطاع على مدار 12 ساعة جولة تصعيد أعادت للأذهان حرب الإبادة من خلال عمليات القصف الواسعة والأحزمة النارية التي شنّتها الطائرات الحربية. في الوقت نفسه، عكس الواقع الميداني والمواقف الإسرائيلية الصادرة في أعقاب هذه الأحداث جانباً من هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار ومدى إمكانية انهياره في أي لحظة، في ضوء عدم وضوح الكثير من المحددات الميدانية.
وعلى الرغم من إعلان كتائب القسام، الذارع العسكرية لحركة حماس، عدم معرفتها بأي اشتباكات جرت في رفح وأن الاتصالات منقطعة بالمجموعات العاملة في المدينة منذ مدة، وتأكيد الالتزام بالاتفاق؛ إلا أن الاحتلال نفذ عشرات الغارات التي طاولت مناطق غزة ووسط القطاع ومدينة خانيونس بوتيرة تشبه الحرب. وكان الاحتلال الإسرائيلي قرر إغلاق معابر غزة في إجراء عقابي آخر أمام دخول المساعدات إلى القطاع، إلا أن التدخل الأميركي أعاد وقف القرار من جديد بالرغم من الانتقادات التي وجهت من أعضاء الائتلاف الحكومي لرئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو.
ومع هذا التصعيد، يتضح جانباً من الشكل الذي تسعى المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية إلى فرضه في القطاع، والذي يشبه إلى حد كبير ما يجري في لبنان وسورية عبر عمليات قصف من الجو بين فترة وأخرى.
ويسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تثبيت قواعد الاشتباك الجديدة والاستفادة بين فترة وأخرى من بنك الأهداف المحدث، الذي يقوم بجمعها بناء على عمل المنظومة الاستخباراتية وتوجيه ضربات نوعية إلى الفصائل الفلسطينية دون تكبده خسائر بشرية كما كان يحدث خلال العمليات البرية طوال فترة الحرب.
بدوره، قال الكاتب والباحث في الشأن السياسي ساري عرابي إن الاتفاق الذي نص على وقف الحرب لم يشهد التزاماً إسرائيلياً به، وهو أمر متوقع، حيث سيسعى الاحتلال لتكريس حقائق ميدانية تحول فيها القطاع إلى نمط مشابه للضفة الغربية وربما إلى حالة شبيهة بما تمارسه في أجزاء من لبنان وسورية، أي فرض واقع أمني وميداني يُعطيها اليد العليا على الأرض..