أخبار عاجلة

وصايا الزعيم علي عبدالله صالح… قراءة سياسية في خطاب تجاوز لحظة الاستشهاد

مأرب اليوم _ تقرير رأي – بقلم ابوعفاش الحويسك/الجمعة 14 نوفمبر 2025

وصايا الزعيم… قراءة سياسية في خطاب تجاوز لحظة الاستشهاد

لم تكن وصايا الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح مجرّد كلمات وداع، بل بدت — في توقيتها ودلالاتها — بمثابة وثيقة سياسية مكثفة، تختزل رؤية رجل خبر الدولة، وخاض صراعاتها وتحالفاتها، وقرأ خريطتها الداخلية بأدق تفاصيلها. اليوم، وبعد سنوات من التحولات العاصفة، تعود تلك الوصايا إلى الواجهة كمرجع لفهم طبيعة الصراع وملامح المشروع الوطني الذي حاول الزعيم تثبيته في آخر لحظات حياته.

معركة الدولة في مواجهة مشروع الانقلاب

أولى الوصايا التي دعا فيها لعدم الخضوع للتعسف الحوثي، لم تكن رد فعل آني على ظرف طارئ، بل قراءة سياسية واضحة لطبيعة ما يحدث. صالح كان يدرك أن معركة اليمنيين ليست سياسية فحسب، بل معركة وجود بين مشروع جمهوري حديث، ومشروع سلالي يحاول إعادة صياغة الدولة على أساس القوة والغلبة.

ومأرب، التي صمدت في وجه هذا المشروع وقدمت نموذج الدولة المقاوِمة، تمثّل اليوم التجسيد الأكثر وضوحًا لهذه الوصية.

الجمهورية… الأساس الذي لا يُمس

حين أكد على الدفاع عن الحرية والجمهورية، فإنه لم يدافع عن نظام سياسي فقط، بل عن هوية وطنية تبلورت عبر ثورة سبتمبر. وهذه الوصية تحديدًا باتت اليوم أكثر إلحاحًا، بعدما حاولت الميليشيا إفراغ مؤسسات الدولة من مضمونها الجمهوري وتحويلها إلى أدوات طائفية.

لا شرعية لسلطة السلاح

من بين أخطر التحذيرات التي حملتها الوصايا، رفض أي أوامر تأتي من خارج المؤسسات. صالح كان يدرك — وربما أكثر من أي وقت مضى — أن تعدد مراكز القوة سيقود اليمن إلى التفكك. وقد أثبتت السنوات الأخيرة صحة هذه القراءة، فكلما توسعت سلطة الميليشيات، ازدادت الدولة ضعفًا وتشوّهًا.

الجيش… العمود الأخير للدولة

وصيته بالتمسك بالمؤسسة العسكرية ليست مجرد حنين لقوة النظام السابق، بل تأكيد على أن الجيش هو أساس أي مشروع وطني. وفي المحافظات المحررة، ومنها مأرب، تُظهر التجربة أن وجود جيش منضبط ومؤسسي هو الذي حفظ الأمن ووحّد الجبهة الداخلية.

الأمن قبل السياسة

دعوته للحفاظ على الأمن والاستقرار تعكس فهمًا عمليًا لطبيعة الدولة: فبدون الأمن لا تنمية، ولا اقتصاد، ولا حياة سياسية طبيعية. وفي اليمن، أثبتت التجربة أن الفراغ الأمني هو البيئة المثالية لتوسّع الجماعات المسلحة.

الثورة والوحدة… ركيزتان لا يمكن التفريط بهما

الزعيم جمع بين الثورة والوحدة في وصية واحدة، في رسالة واضحة: إن أي مساس بهذين المنجزين سيقود اليمن إلى مرحلة خطرة من الانقسام والتشظي. فالوحدة ليست شعارًا، بل هي الضامن لبقاء اليمن في خارطة الدولة، وليس مجرد جغرافيا متنازعة.

التجديد السياسي… خطوة ضرورية

دعوة صالح لاختيار قيادات جديدة تعبّر عن إدراكه بأن المشهد السياسي بحاجة إلى دماء جديدة تمتلك أدوات التفكير الحديث. لقد كانت تلك الوصية اعترافًا بأن زمن الشخصيات التقليدية وصل إلى حدوده القصوى، وأن المستقبل يتطلب نخبة جديدة قادرة على إنتاج مشروع سياسي بديل.

التصالح والتسامح… مشروع دولة لا مشروع انتقام

في لحظة كان يمكن أن يُدفع فيها نحو خطاب تصعيدي، اختار الزعيم لغة التصالح والتسامح. وهذه ليست مصادفة. فقد كان يدرك أن اليمن بلد لا يمكن لطرف واحد أن يحكمه، وأن النصر الحقيقي هو بناء تسوية وطنية تحفظ الدولة وتعيد اللحمة للنسيج الاجتماعي.

السلطة ملك الشعب… لا سلالة ولا حزب

الوصية الأخيرة كانت الأكثر وضوحًا: السلطة حق الشعب وحده. وهي رسالة تقطع الطريق على أي مشروع يحاول احتكار القرار الوطني أو فرض سلطة أمر واقع، سواء عبر السلالة أو القوة أو التحالفات الضيقة.

خلاصة تقرير الرأي

إن وصايا الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح ليست خطابًا للماضي، بل قراءة سياسية صالحة للحاضر والمستقبل. فهي تحدد المشكلة، وتشخّص الخطر، وتضع خطوطًا عامة لمشروع وطني جامع يقوم على الدولة، والجيش، والجمهورية، والشرعية الشعبية.

ومع كل ما تمر به البلاد اليوم، تبدو هذه الوصايا أشبه ببوصلة سياسية يمكن أن يسترشد بها اليمنيون في طريق استعادة دولتهم، تمامًا كما استرشدت مأرب بقيمها حين وقفت شامخة في وجه الانقلاب وحافظت على بقايا الدولة من السقوط.