مأرب اليوم ــ كتابات وتحليلات ــ بقلم أبوعفاش الحويسك
الوحدة اليمنية في قلوب أبناء الشعب اليمني شمالًا وجنوبًا
لم تكن الوحدة اليمنية يومًا مجرّد حدث سياسي عابر أو اتفاق بين نخب وسلطات. بل كانت ولا تزال تعبيرًا عميقًا عن وجدان شعبٍ واحد تشكّلت هويته عبر قرون من التاريخ المشترك والجغرافيا الواحدة والمصير المتداخل. فالوحدة لم تُولد في 22 مايو بل وُلدت في قلوب اليمنيين قبل ذلك بوقتٍ طويل. ونمت في تفاصيل حياتهم اليومية في لهجتهم وعاداتهم وتقاليدهم وفي شعورهم الفطري بالانتماء إلى وطنٍ واحد مهما حاولت السياسة أن تمزّقه.
الوحدة حقيقة اجتماعية قبل أن تكون قرارًا سياسيًا
حين ننظر بعمق إلى المجتمع اليمني شماله وجنوبه نجد أن الروابط الإنسانية والاجتماعية كانت دائمًا أقوى من كل حدودٍ مصطنعة. المصاهرة والتجارة والهجرة الداخلية، والتداخل القبلي والأسري كلها جسور وحدة سبقت الدولة وسبقت الأنظمة. وسبقت حتى مفهوم الشطرين. لم يكن المواطن البسيط يرى في أخيه من الطرف الآخر آخرًا بل شريكًا في الهمّ والأمل والمعاناة.
ولهذا فإن أي قراءة منصفة للوحدة يجب أن تنطلق من كونها خيار شعب لا مجرّد صفقة سياسية. صحيح أن الأنظمة قد أخفقت في إدارة الدولة الموحدة وصحيح أن الأخطاء والاختلالات والظلم قد شوّهت صورة الوحدة في مراحل معينة. لكن ذلك لا يعني أن الفكرة ذاتها كانت خاطئة. بل إن التطبيق هو الذي انحرف عن جوهرها.
بين أخطاء السلطة وثبات القناعة الشعبية
لا يمكن إنكار أن ما بعد الوحدة شهد ممارسات أضرت بالنسيج الوطني وأسهمت في خلق شعور بالغبن لدى قطاعات واسعة خصوصًا في الجنوب. غير أن تحويل تلك الممارسات إلى مبرر لنسف الوحدة من أساسها هو خلط متعمّد بين الدولة كنظام حكم والوطن كقيمة جامعة. فالوحدة ليست ملكًا لحاكم ولا حكرًا على حزب بعينه. بل حقٌ أصيل لشعبٍ بأكمله.
لقد أثبتت السنوات الصعبة والحروب والانقسامات أن اليمني أينما كان كلما اشتد عليه الألم عاد إلى جوهره الأول وطن واحد لا يتجزأ. ففي لحظات الخطر تسقط الشعارات الضيقة ويعلو صوت الانتماء الكبير.
الوحدة كضمانة للمستقبل لا عبء من الماضي
إن الحديث عن الوحدة اليوم يجب أن يكون حديثًا ناضجًا بعيدًا عن التقديس الأعمى أو الرفض الانفعالي. فالوحدة الحقيقية ليست شعارًا يُرفع بل عدالة تُمارس وشراكة متكافئة ودولة قانون تحترم الإنسان وحقوقه دون تمييز. وحدة بلا عدالة تتحول إلى عبء، لكن عدالة بلا وحدة تفتح الباب للفوضى والتشظي.
اليمن بتعدده الجغرافي والثقافي لا يحتاج إلى التفكك ليُحلّ مشاكله بل إلى عقد وطني جديد يُعيد تصحيح المسار. ويعترف بالأخطاء ويؤسس لشراكة حقيقية تضمن لكل أبناء الوطن مكانهم العادل تحت راية واحدة.
رسالة إلى كل اليمنيين
الوحدة ليست ضد أحد وليست انتصارًا لطرف على آخر، بل هي الإطار الذي يحمي الجميع. شمالًا وجنوبًا شرقًا وغربًا يظل اليمني يمنيًا مهما اختلفت الرؤى السياسية. ومن يراهن على تمزيق هذا الوجدان الجمعي يراهن على وهمٍ سرعان ما يتكسر أمام حقيقة شعبٍ يعرف أن قوته في وحدته.
ختامًا، ستبقى الوحدة اليمنية حيّة في قلوب أبناء الشعب اليمني لا لأن الدساتير نصّت عليها بل لأن التاريخ صنعها والدم الواحد رواها والأمل المشترك يحفظها. أما الطريق إلى وحدةٍ عادلة ومستقرة فهو مسؤولية الجميع تبدأ بالاعتراف ولا تنتهي إلا بوطنٍ يتسع لكل أبنائه.
مارب اليوم مارب اليوم منصة إخبارية رائدة تنقل الحقيقة بمهنية وتقدم تغطية دقيقة وموثوقة للأحداث من مأرب واليمن إلى العالم